دراسات أدبية

تناول اعمالي عددا من كبار النقاد في مصر والعالم العربي واحب ان اشارك بها على مدونتي قدر الاستطاع ...وبما اني اليوم قد أضفت قصة الخيال المسموم احب أن اضيف معها دراسة  للأستاذ  عبد الحافظ  بخيت متولي من قدم دراسة وافية لها ...ويسعدني نشرها على مدونتي الشخصية .ولقد قدمتها عبر موقع اتحاد الكتاب والمثقفين العرب وقام عددا من الادباء أيضا بنقدها ...معكم االن دراسة لقة الخيال المسموم




دراسة نقدية لقصة  الخيال المسموم
عبد الحافظ بخيت متولي







شدتنى جدا هذه القصة بمحطاتها الجمالية التى تكشف عن قاصة ماهرة تجيد توجيه خطابها القصصى وتوظيف أدواتها اللغوية والفنية منذ التلاعب بتوظيف الضمائر وهذه الحيلة الفنية لا يقدر على اتقانها إلا ماهر فحين تبدا القصة بتوظيف ضمير الغائب هنا يكمن الوعى بالتجريد وكان القاصة ارادت ان تمكن ساردها الضمنى من الحيادية وتفتح امامه طاقات القدرة على الاختزال الذى يفرز جمالا فى البناء ويضعنا هذا التوظيف ايضا امام انشطار الذات القلقة التى تعبد عن الروح فى لحظة تامل لحياتها فتكتشف انها خدعت وان خديعتها ابدية بدات باللون الابيض وانتهت بلون الثوب الاسود الذى اختزل رحلة العمر فى مثل هذا الرمز"لَبست ثوب الحداد ..وإصطنعت لجسدها كفناً تُخلد فيه الذكريات المارقة ..
سألتُها :
" لم ؟"
أجابت:
" كي أتذكر عمري أني وفيت لمن لا وفاء له حتى قطرت الروح رحيقها الأخير."" والقاصة هنا تستخدم تكنيك الخطف خلفا فى بناء القصة حيث تبدأ من النهاية ثم لتعود لتبرر هذه النهاية بالحكى حول رحلة البطلة معتمدة على توظيف ضمير المخاطب والحكمة المؤكدة للرؤية الضبابية عندها
ثم تتحول بنا الى توظيف ضمير المتكلم كنوع من الترجمة الذاتية"ما كنت يوما أترك نفسي لغادرٍ يَنفثُ سِمَهُ فى دمائي ... ومِلتُ نَحوِها... قَبضتُ على طرف ثوبها الأسود ...فرأيته ثوبي المدثر بالتراب، الملبد بغيوم السحابات الثقيلة ." وهنا ياتى الاستدعاء الحر ليفعل فى تطور الحدث الرئيس فى القصة ويدعم خطاب الهمس ومواجهة الذات وهنا تكمن مهارة القاصة فى تدعيم توظيف الضمير باللغة المشرقة الكاشفة حين تتنتقل بالسرد نقلة نوعية دون ان تحدث شرخا فى تراتب عملية السرد"قَبضتُ على طرف ثوبها الأسود ...فرأيته ثوبي المدثر بالتراب،" ان فضاء الثوب هنا هو فضاء الذات الكامنة فيه والمتوحدة به ولذلك فهى تحكة ذاتها وتختزل رحلة عمرها المقرونة بالصدق والوفاء فى مقابل سلطة اخرى سلطة الغدر والخيانة وهى سلطة متحركة تشبه الطائر الذى يحط فى كل جميل فيقبحه"وحام طائراً فوق رأسي لا يرى سوى ظلمةً دامسةً و سكون ضَجِر يضجع حولي ..فغرد الطير الحزين ." والقاصة هنا تنتصر لبنات جنسها حين تعتمد على توظيف المفارقة بين سلطة الذكر وسلطة الانثى فسلطة الانثى
مقرونة بالوفاء والصدق والثبات وسلطة الذكر مقرونة بالخداع والمكر والخيانة التى تحمل صفة الديمومة
ثم تأتى النهاية أو لحظة التنوير لتجمع خيوط القصة وتصبها فى هذه النهاية المتفجرة المؤلمة المقرونة بالموت ولكنه ليس موت فيزيائيا بقدر ما هو موت لاجل صنع حياة مغايرة جديدة حياة تقدم المقدس وتقتل المدنس وحين تقدم القاصة هذا المعنى فهى لا تعرض بوضع الخيانة فى مقابل الصدق بقدر ما تدين هذه القيم البالية المفضية الى موت وسكون الحياة
أحييك سيدتى على هذه القصة الجميلة والمفتوحة على كل الفضاءات