الشعب يريد
الشعب يريد ….جملة إستثنائية إقتحمت عالمنا العربي وفتح حروفها مواطن مصري بسيط مازلت أحلم بالتعرف عليه وهو مبدعها ومؤلفها …لكنه حينما أطلقها أثناء ثورة 25 يناير لم يدرك أنها ستصير جزءا موثقا من شعارات الثورات العربية و أنها لن تصبح فقط شعار بل حق واجبا لتحقيق إرادة الشعوب .
عزيزى القارىء وعزيزتي القارئة أرجوا أن لا تتعجبوا من رسالتي التى قوامها شعار و مطلب سهرت أفكر فيه كثيرا ،.لكني إنتهيت لأن رعاية شعب مصر لا يجب أن تخضع لقيادة العواطف بل لحسابات للعقل الدقيقة…
وبالتأكيد لن يفوتني قبل أن أبدأ إسمحوا لي بالترحم على أخواني و أبنائي من شهدائنا وأنا واحدة من المصريين الذين كتبوا عن الثورة قبل عام من بدايتها وقلت وقتها أن الأوضاع السيئة فى مصر التى تجري الآن ليست إحتقانا كما يروج البعض بل إلتهاب حاد و حالة تأهب للثورة العارمة وسميتها وقتها ثورة الكرامة لإعادة الهيبة المصرية التى فقدناها منذ سنين وأصبحنا أقل شعوب العالم …وتحققت الثورة بالفعل.
و كذلك لن أنسى أيضا أني عشت أصدق كل ما كان يقوله الرئيس السابق محمد حسني مبارك ومن قبله حتى صدقت خطابه الأخير بالنسبة لي حينما قال سوف أرحل بعد 6 شهور مع موعد الإنتخابات و تعاطفت معه لدرجة البكاء حينما سمعته يقول أتمنى أن أدفن فى مصر وعلى أرضها ..ولكن كل شيء تغير في اليوم التالي يوم موقعة الجمل حينما رأيت أخواني و أخواتي يذبحون و تدق أعناقهم الطاهرة تحت صهول خيل مبارك وأبنائه ورجاله … وقتها لعنت قلبي الرؤف ولعنت كل لحظة
أحببت فيها سيد الرئيس أو تعاطفت معه يوما مع علمي أنه لم يكن الحاكم الواقعي للبلاد وأنه ترك قيادة مصر منذ عشرة سنوات لعصابة علي بابا والأربعين حرامي و أن الشائعات الدولية لم تكن شائعات بل حقائق موثقة …وهنا سأنتقل لمحور الموضوع هل سنترك مصر مرة ثانية أن يقودها رجلا واحد وهل سنسمح بصناعة إله من تراب نعكف على تنفيذ أوامره والسخرة تحت أقدامه وأقدام عائلته ؟
هذا السؤال أوجهه للشعب الحر و للنخب المثقفة و السياسية لمتي ستظل مصر دولة رئاسية وليست دولة برلمانية للرئيس فيها دور شرفي فقط ؟
أجل أنا لدي مخاوف كثيرة من أعضاء البرلمان الحالي ومن ستكون لهم الأغلبية لأنه و بصراحة أعضاء مجلس شعب القادمون كما غيرهم من السابقون لا يوجد بهم كدر سياسي مجهز لقيادة البلاد ، ومع تصدر قائمة الأخوان المسلمين و كذلك الجماعات الإسلامية والتيار المتشدد تزداد مخاوفي رغم تقديري لمجهود الأخوان المنظم والذي يمكن أن ينتج عنه شيئا عظيما لكن مازال قاصرا وعاجزا لخلطه الدين بالسياسة وجوانب أخرى مازالت محل خلاف …هذا و فى المقابل أيضا لم أجد في الأحزاب السياسية الأخرى و لا التيارات الليبرالية واليسارية من له القدرة على القيادة والسبب فى هذا إنهم يعيشون فى أبراج السماء ولا يريدون النزول للشارع ، للأحياء الفقيرة والقرى …مصر ليست دولة القاهرة يا سادة وليست الاسكندرية، إنما قلب مصر يوجد فى المحافظات والاقاليم….وهذه المناطق محرومة من أي زيارة أو أي إهتمام سياسي أو غيره بهم. وهنا موطن الخطر فى مجلس شعب ليس به من هو مؤهل لقيادة دولة فى مرحلة حرجة …ومع كل هذا مازلت أرجح الدولة البرلمانية التى تخرج
حكومتها من قلب مجلس الشعب ويقود مصر رئيسا للوزراء بدلا من رئيس مفوض فى كل شيء…
والسبب أني لا أخشى على مصر من تعثرها فى الخطوات الأولى، لأن الديمقراطية لا تأتي بقفزة واحدة ولكن من خلال التجريب والتعلم كي نصل للمستوى المطلوب …قد نخسر اليوم لكن غدا سنكسب لأننا سنتعلم من أخطاء الماضي وسنحرص على تثقيف الناس ونحضهم على الدفاع على حقوقهم و الأهم أنه سيتم صناعة كوادر سياسية مؤهلة من بين الشباب وهذا بالفعل ما أطمح إليه .
وكي يتأتي هذا لن يكون إلا من خلال دستور توافقي يتفق عليه الشعب كله ، دستور لا تتحكم فيه جماعة ، دستور يؤكد على مدنية الدولة و أن مبادئه يستمدها من الشريعة الإسلامية التى يوافق عليها الأزهر وليس شريعة يضعها المتشددين من أتوا بأفكار عن الإسلام لا ترقى حتى لتصبح مذهبا ويريدون فرضها على الناس بالقوة والعنف ….نحن نريد مصر وطن الإسلام المعتدل الذي يحتضن الجميع ولعلي أضيف أنه قبل مائة عام وقبل ظهور التيار الجديد المتشدد كان الناس فوق البسيطة يأخذون تعاليم دينهم الحنيف من الأزهر فقط ولا غيره فلماذا اليوم نختلف عليه وعنده ثقات العلماء الأجلاء ومصادر العلم الموثوق منها… نهاية القول لعل على الجميع أن يدرك أن مصر منذ نزول الإسلام إلى أرضها وهي دولة مدنية فلنحترم هذه القاعدة الثابته كما أنها إكتفت من عبادة الرئيس الواحد ..لا نريد زعيما ولا نريد أصحاب الحناجر العالية بل نريد من يمثل الشعب ويعيش هو عبدا لشعبه ويحقق مطالب الأمة التى وضعها له البرلمان ومن حق الشعب أن يسأله ويحاسبه وينحيه إن قضي الأمر على هذا …
نحن نريد دستورا قويا لمصر يمنحها لقب الدولة المدنية الديمقراطية التي تستمد شريعتها من الإسلام و تحترم الديانات و المعتقدات والأفكار والمذاهب و جميع الحريات …نحن نريد مصر صاحبة وجه سياسي خاص بها لا أن تقلد أحدا ولا أن تسير في ركب أحدا …نحن نريد مصر دولة عظيمة لا إمارة تابعة لأحد …
وهذا ما نحلم به كمصريون وهذه مطالبنا فهل نحقق بالعمل والإرادة ما نريده أم سيظل السؤال عالقا للثورة القادمة.؟
بقلم الروائية والكاتبة
عبير المعداوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق